
صحيح أنه لاتزال هناك نسبة كبيرة من الآباء حتى في العالم المتقدم يفضلون الأبناء الذكور على الإناث. وهو شعور فطري ربما يقوم على فكرة أن الرجل أكثر قدرة من المرأة على حماية نفسه وتوفير مستلزمات أسرته، لكن ربما حان الوقت لتغيير هذا المفهوم.
والسبب مثير لعشرات من علامات الدهشة .. فخبراء الاقتصاد يؤكدون أن زيادة مشاركة المرأة في قوة العمل كانت القوة الرئيسية للنمو خلال العقدين الماضيين. ويقولون إن مساهمتها في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي تزيد على ما تحققه الابتكارات التكنولوجية الجديدة أو حتى عمالقة الاقتصاد الجدد مثل الصين والهند. وإذا قمنا بإضافة قيمة عمل المرأة في المنزل ورعاية الأطفال، فإن إجمالي مساهتمها في الناتج المحلي العالمي ستزيد على النصف..!
المشاركة الحكومية
ولا يقف الأمر عند هذا بل إن البعض يؤمن بأن زيادة مشاركة المرأة في الحكومات، من شأنه أن يعزز أيضا من معدلات النمو الاقتصادي، لأن المرأة أكثر ميلا من الرجل لإنفاق الأموال على الرعاية الصحية والتعليم والبنى الأساسية ومكافحة الفقر من إنفاقها على الأسلحة والمعدات العسكرية، ويصف بعض الخبراء ما يشهده العالم حاليا بأنه الثورة الهائلة للرأسمالية النسائية التي تعيد صياغة دور المرأة خاصة في العالم المتقدم مع تزايد دخولها إلى سوق العمل ووقود هذه الثورة هو التحالف القوي بين قوى السوق من جانب وبين إبداع ورغبات وطموح نصف السكان اللواتي تحررن من كثير من القيود القانونية والاجتماعية من جانب آخر.
وتقول كريتيا فريلاند من فاينانشال تايمز عادة لا نميل للنظر إلى الرأسمالية والمرأة على أنهما حلفاء طبيعيون. لكن الواقع يظهر أن قوى اقتصاد السوق تقوم أكثر من أي شيء آخر بحفز النساء للتطلع إلى مراكز السلطة، وتجعل عالم العمل أكثر جذبا للنساء. وبما مهد الساحة لكي تكون المرأة العاملة من أهم محركات النمو الاقتصادي القوي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ثلثا الوظائف
وتظهر الإحصائيات أنه منذ عام 1970 والنساء يحصلن على ثلثي الوظائف الجدد مقابل الثلث فقط للرجال، كما تزايدت قوتهن في سوق العمل العالمي ليس فقط بوصفهن عاملات بل وأيضاً مستهلكات ومبدعات ومديرات وأيضاً مستثمرات وسيدات أعمال. فمقابل كل 100 رجل في سوق العمل بدول النمو الأسيوية هناك 85 امرأة وهو ما يزيد على متوسط دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.
السطوة النسائية
ويعتقد المراقبون أن هذه السطوة النسائية الاقتصادية انطلقت مع ارتفاع نسبة مشاركة البنات في التعليم وامتداد هذا النجاح إلى الجامعة حيث يمثلن حاليا 55% من إجمالي عدد الطلبة الجامعيين في أميركا. وتتم ترجمة هذا الوضع بأن تصبح الفتيات أكثر استعدادا من الشباب لدخول سوق العمل في القرن الحادي والعشرين حيث الأهمية الكبرى للعقول. ففي أميركا تحصل 66% من النساء في سن العمل على وظائف وهو تقريبا ضعف النسبة التي كانت موجودة في الخمسنيات، ومقارنة مع 77% من نسبة العاملين بين الشباب في سن العمل. كما انضمت المرأة إلى قوائم المبدعين وأصحاب المبادرات الخلاقة فمن بين كل أربعة أميركيين هناك واحد يعمل لشركة تملكها أمرأة.
ويدعم هذه التوجه ظهور اعتقاد بأن النساء هن أفضل من يقود الشركات التي تقوم على ترويج متجاتها من البضائع بين المستهلكين خاصة النساء. ويكفي الإشارة إلى أن النساء يتخذن حوالي 80% من قرارات الشراء الاستهلاكي على متستوى العالم.
وهناك عنصر آخر شخصي يشجع النساء. وهو اضطرار نسبة كبيرة منهن لتحمل مسؤولية عائلاتهن. بالطبع لم نصل بعد إلى المرحلة التي نعلن فيها انتصار الرأسمالية النسائية. فلا تزال هناك العديد من الأسقف الزجاجية في مقدمتها مؤشرات على انه كلما زادت مشاركة المرأة في الاقتصاد كلما تراجعت معدلات النمو السكاني مثلما هو الحال في ألمانيا واليابان وايطاليا وسنغافورة.